الجمعة، 8 مايو 2009

سْهَـــآر بَعد سْهَــآر,



كنتُ صديقه يوماً, الصبيّ الذي لم يعرف عنه إلا أنه كان بقربه دوماً ,
كنتُ الأنثى التي تختبِئُ خلف حدودِ قلبها, ارتدي قميصاً أبيضاً وبنطالاً أسوداً فضفاضيْن
ومعطفاً شاحِباً يقيني البرد, لأن كل الفصول كانت شتاء,
ارتديتُ قبعتهُ الرماديّة الباهِتة,
ولم يعرفني .. لأنه لم ينظرُ ولا لبرهةً في عينيّ.
سألني: أين تسكن؟!
وضعتُ يدي على الناحية اليسرى من صدره وقلتُ : هنا.
ضحك .. ظنّ أني أمازحه.

شاركَني قهوةً مرّة, في مقهىً أخضر على حافةِ المدينة الملئ بالأضواء..
رسمتُهُ بقلمٍ رصاص, على ظهرِ كتابه,
" يااه! يُشبهني جداً, كأأنه وجهي الآخر على الورق" – قال-
" لكلٍ منّا وجهه الآخر, لكننّآ أحياناً نضيعُهُ أو نجهلُ مكانه فيُرهقنا البحثُ عنه, قد نفقدُهُ داخلنا .. أتصدّق؟!"
" اذاً يسهُلُ البحث عنه"
" لآ, بل يصعُبُ جداً .. جداً.. فقد نكونُ أبعد ما نكونُ إلينا"
لقّبني نيتشه المجنون واكتفى بالضحك كالعادة.

في يومِ أرآد أن يشركني رحلته للبحر,
لم أسآفر .. وذهب وحده,
فالأوغاد مثلي لا يطيقون انتظار القطارات,
فالانتظآر هو " مزيدٌ من مزآحمةِ الأفكآر في العقل" .. آهٍ, يؤلم!!
وفي الحقيقة؛ لآ أحبّ البحر؛ فهو يعني لي " الغرق وحسب".

لم يكن يعرفُ موسيقى " الجاز " , فأسمعتُهُ مقطعاً لذيذاً لـ Dale Turner كنت أحتفظُ به في IPod ـي ..
وضعَ رأسه على الطاولة مُنهكاً, أغمض عينيه .. وقال "أحبّها, ولا أدري كيف أخبرها",
- نعم .. ف موسيقى الجاز تبعثِرُ الأسرار من جعبتنا .. رغماً عنّا -
ناولني سيجارة من علبة سجائره – لها طعمُ الدفء ورائحةُ الغرفِ العتيقة -,
" أخبرني عنها" قلتُ له,
" كالغروبِ هي , يُبهِرُكَ للحظاتٍ ثم يتركُكَ معلقّاُ طيلة ليلةٍ مملةٍ جداً على سطح بيتكم".
" إذاَ, فلتبقَ مُعلقاً , إلى أن يُرهِقَكَ الليلُ, وسأقِفُ هناكَ في الأسفل..
وحين يسقطُ قلبكَ سأتلقّفُهُ بيديّ كيلا ينكسِر,
فأنآ ..
صديقُكَ الملخص ..
.. للأبد".

كلمآ أرآد العودة لمنزله , أردتُ لو تصدحُ فيروز بصوتِهآ ..لآ بل أردتُ لو أن صوت المذيآع يصلُ كل زوآيآ العآلم: " سهآآر بعد سهآآر .. عنآ الحلآ كلووو .. وعنآ القمر بالدآر"

سهآر بعد سهآر .. فصديقُكَ أعيآهُ "النوم".